top of page

عندما يموت الثوار... - تدوينة أية سومري


لا تنسى يا كاتب التاريخ و أنت تخلد الثورات أن تترك وراء كل جملة ثلاثة نقاط أو أكثر .لا تنسى أن تتوضأ و تتطهر من كل شائبة و أنت تقص آلام أمة أثقلت صدر وطن . لا تنسى و أنت تكتب أن تستعيذ بالله من أن تزِلَّ أو تُزَلَّ عن طريق الحق و الصدق . لا تنسى أن تسجل وجع أم لم تدرك بعد أين ذهب ابنها و لما ذهب .. سجل أن أبناء هذا الوطن التعيس شربوا نبيذ الفقر حتى الثمالة , و رقصوا تحت إيقاع البرد حتى الموت . نعم , سجل بالخط العريض أن الثوار احتضروا على أعتاب هذا الوطن . أدركهم وعد ربهم قبل أن تدركهم وعود الساسة الذين ما زال يخيل لهم أنهم هم الثوار و أنهم الورثة الشرعيون للثورة في حين ما يزال الثوار الحقيقيون يقدمون أرواحهم تترى فداء لهذا الوطن صناع الثورة نسيهم الزمان و نبذهم المكان و طواهم النسيان و نفاهم صناع الوهم خارج خريطة الوطن . سحقا للمناهج التربوية المفرغة التي أوهمتنا أن تونس تتكون من أربعة و عشرين ولاية كبرنا لندرك أن وطننا أصغر و أضيق بكثير أضيق من كل أحلامنا الفاجرة كبرنا لنكتشف أيضا أن حامي الديار سارقها و أن قاضي البلاد جانيها و أن أورع الناس أفجرهم و أن أفهم الناس أجهلهم و أن الذي يعيب السم يسقيه للناس و أن أعلى الناس علما أسفلهم مرتبة ... كبرنا و نحن لا ندري هل كبرنا فعلا أم أن أوطاننا هي التي هرمت فضاقت بنا بما رحبت . مات الثوار قبل أن تدركهم الحياة و قبل أن يكتشف ساستنا أنهم يعيشون في مكان ما في هذا الوطن. عندما يموت أطفالنا من البرد و ينتحر المواطنون من الفقر و يهجر الشباب من البطالة أدرك أن حكامنا عدلوا حق عدلهم و ناموا قريري الأعين مسرورين. في عرس الثورة تغتصب الثورة علنا و يرقص جلادنا على طبول إعلامنا الذي يشهد أنه لا إله له سوى القمع و الظلم و الجبروت . نسينا الثورة كأنها لم تكن و نسينا أننا ظلمنا دهورا من الزمن و نسينا أننا منعنا الحلم و الأمل و أننا عشنا لاجئين داخل أوطاننا التي انتشر فيها الظلم و تسيد و أصبح جزءًا من النسيج نسينا كل شيء إلا أن أم الشهيد لم تنسى ...


bottom of page